طليطلة:
مدينة أندلسية عريقة في القدم تقع على بعد 75 كيلو متر من مدريد العاصمة الأسبانية. وتقع على مرتفع منيع تحيط به أودية عميقة وأجراف عميقة ، تتدفق فيها مياه نهر تاجة. ويحيط وادي تاجة بطليطلة من ثلاث جهات مساهما بذلك في حصانتها ومنعتها. واسم طليطلة تعريب للاسم اللاتيني "توليدوث" (Tholedoth) وكان العرب يسمون طليطلة مدينة الأملاك لأنها كانت دار مملكة القوط ومقر ملوكهم.
مدينة طليطلة قديمة للغاية، يحيط بأصلها الغموض. ويغلب على الظن أنها بنيت زمن الإغريق. ومما لا شك فيه أن بناءها يسبق مقدم الرومان، فقد حاصرها القائد الروماني ماركوس فولفيوس نوبليور واستولى عليها عام 190 قبل الميلاد. ولم يتحمل سكانها أول الأمر قسوة الرومان، فسرعان ما ثاروا عليهم، وهزموا حاكمها الروماني كايوس كالبورنيوس بيزون الذي خلف فاتحها فولفيوس عام 186 قبل الميلاد. ولكنهم ما لبثوا أن خضعوا أخيرا للرومان، واستسلمت المدينة للفاتحين.
وازدهرت طليطلة في عهد الرومان، وازدادت أهميتها بالنسبة لهم، فحصنوها بالأسوار، وأقاموا فيها المسرح الكبير والجسر الأعظم، وغير ذلك من الأبنية الرائعة التي اشتهرت بها العمارة الرومانية.
ولكن ما لبث أن اجتاح الامبراطورية الرومانية القبائل البربرية التي تدفقت على أملاكها كالسيول المدمرة، ولم تنج أسبانيا من ذلك على الرغم من أن طليطلة استطاعت أن تحتمي في حصونها وتحتفظ لنفسها باستقلال داخلي. واستقر القوط الغربيون في قطاع طركونة وجنوب غالة، وأخذوا يوجهون من هذه المراكز غاراتهم في قلب أسبانيا. ونجح إيوريكو في ضم طليطلة، قاعدة إقليم كاربتانيا، إلى ملكه. وارتفعت طليطلة في عهد الملك أتاناخيلدة إلى الذروة وزودها ملوك القوط من بعده بآثارهم الجليلة، وسموها "المدينة الملكية".
وكان رودريجو آخر ملوك القوط مشغولا بإخماد ثورة قام بها أهالي مدينة بنبلونة ببلاد البشكنس، حين وصلته أنباء الفتح الإسلامي، ونزول جيوش المسلمين بجبل طارق عام 93هـ / 712 م فعظم عليه الأمر، واتجه بجيوشه جنوبا لملاقاة المسلمين بقيادة القائد طارق بن زياد. والتقى الجيشان في واقعة وادي لكة، وانتصر المسلمون انتصارا ساحقا على جيوش القو ط، وتقدم طارق بجيوشه نحو الشمال فاتحا مدن شذونة ومدور وقرمونة وأستجة ، ولم يلق المسلمون بعدها مقاومة تذكر. وانتهى طارق إلى طليطلة، دار مملكة القوط، فوجدها خالية قد فر عنها أهلها، فاستولى عليها، وغنم فيها غنائم طائلة.
وظلت طليطلة بعد الفتح الإسلامي تتمتع بتفوقها السياسي على سائر مدن الأندلس، ولكنها ما لبثت أن فقدت هذا التفوق إزاء السيادة التي فرضتها عليها قرطبة ، عاصمة الأندلس في عهد بني أمية.
وكانت طليطلة تضم أكبر طائفة من المستعربين والمولدين واليهود وكانت مزاجا لعناصر وتقاليد لاتينية وقوطية وأخرى عربية.
وساهم موقع طليطلة الاسترتيجي على نهر تاجة في حصانتها وزيادة ميل سكانها إلى الثورة وجنوحهم إلى الانفصال عن الحكومة المركزية. وقد كان لطبوغرافية المدينة وطبيعة سكانها أثر كبير في خروجهم عن سلطان الإمارة بقرطبة مرات كثيرة، مما كلف أمراء قرطبة أثمانا باهظة لإعادتهم إلى فلك دولتهم.
وفي عام 180هـ / 797 م استطاع الحكم الربضي أن يوقع بأهل طليطلة وأن يستذلهم بعد أن استخفوا بواليه عمروس الوشقي المولد، فقد اتخذ عمروس قصرا، واستدعى فيه وجهاء طليطلة، وأوهمهم أنهم إذا طعم منهم قوم انصرفوا من باب غير الباب الذي دخلوا منه، وجعلوا كلما دخلوا قتلوا وقيل إن عدد القتلى يؤمنذ من وجهاء طليطلة بلغ نحو خمسة آلاف وثلثمائة رجل، فلانت بعد ذلك شوكة طليطلة.
وفي عهد محمد بن عبد الرحمن الأوسط عام 233هـ / 848 م خرجت عليه طليطلة، فخرج لحربها بنفسه، واستنجد أهلها بملك جيلقية البشكنس على وادي سليط، وقد أكمن لهم فأوقع بهم، وهزمهم هزيمة نكراء، ودخلت طليطلة بعدها تحت لواء الخلافة القرطبية منذ عام 318هـ / 930 م بعد سنوات طويلة من الثورات، وانتظمت أمورها في ظل خلافة عبد الرحمن الناصر.
وعندما اشتعلت نيران الفتنة الكبرى عقب سقوط الخلافة بقرطبة، وقامت دول ملوك الطوائف، واستقل بنو ذي النون بطليطلة، وهم أسرة من البربر الذين كانوا في خدمة المنصور ابن أبي عامر وكان اسم جدهم الذي ينسبون إليه زنون، فحرف الاسم إلى ذي النون أو دنون. وارتفع شأنهم، وذاع صيتهم في عهد المنصور، وقادوا جيوشه، واستقروا بكورة شنتبرية.
ولما تولى عبد الملك بن متيوة أمر طليطلة، وأساء إلى أهلها، خلعوه واتفقوا فيما بينهم على تولية عبد الرحمن بن ذي النون، فوجه إليها ابنه إسماعيل، فاستولى عليها وعلى ما يحيط بها من مدن وقرى، واستقام له الأمر فيها، وترك شئون المدينة إلى شيخها أبي بكر الحديدي، وكان من أهل العلم والدهاء. ثم توفي إسماعيل وخلفه ابنه المأمون يحيى بن إسماعيل، فجرى على سنن أبيه في اتباع العدل، فتوطد سلطانه، وعظم ملكه. وقام في عهده نزاع بينه وبين ابن هود حاكم سرقسطة، ودام هذا النزاع قرابة ثلاث سنوات، وانتهى بموت سليمان بن هود.
ولما توفي المأمون يحيى عام 466هـ / 1074 م، تولى حفيده القادر بالله يحيى. وفي عهده ثار عليه أهل طليطلة لقتله ابن الحديدي، وأرغموا ابن ذي النون على الرحيل منها. فاستعان ابن ذي النون بألفونسو السادس ملك قشتالة لاسترداد ملكه. وأقبل ألفونسو بجيوشه، وحاصر المدينة، ودخلها واغتصبها من القادر بالله، فخرج له عنها في شهر صفر 487هـ / مايو عام 1085م مقابل مظاهرة ألفونسو له على بلنسية.
وهكذا سقطت مدينة طليطلة في أيدي الصليبين وقد أحدث سقوط طليطلة في أيدي القشتاليين دويا هائلا في أنحاء العالم الإسلامي، وقرعت نواقيس الخطر تنذر ملوك الإسلام في الأندلس بسوء المصير فأحسوا بضعفهم وتنبهوا بعد فوات الأوان إلى نهايتهم الوشيكة. وكان سقوط طليطلة نذيرا بالنهاية المحتومة لدولة الإسلام في الأندلس. وقد حاول المرابطون والموحدون استرداد طليطلة ولكن جهودهم المتواصلة أخفقت وأصبحت هذه المدينة قاعدة هامة للقشتاليين00
وإليكم بعض الصور الرائعة التي انتقيتها لطليطلة
العين ترقرق والقلب يضطرب والسعادة تنفطم حين يأتي أسم طليطلة أو قرطبة أو غرناطة أو اشبيلة أو بلنسية أوماربيا
ودائماً مانتساءل ما الذي يشدنا في السجل التاريخي الحافل الذي خطه المسلمون في الاندلس؟
هل هو المجد الديني والسياسي الذي تحقق بدخول الإسلام إلى أوربا؟
هل هو الصرح العلمي والأدبي الشامخ الذي شيده المسلمون في ظل دولة بلغت أعنان السماءرقيا ورفعة في وقت كانت أوربا ما تزال نائمة تحت أقدام الزمن تلعق أيامها فقرا وجهلا وتخلفا وانشقاقا؟
هل هو تلك الأطلال التي ما زال بعضها قائما حتى الآن دليلا على ذلك التقدم المعماري الذي اختلط فيه الفن بالثراء بحب الحياة باللمسة الدينية ليعطينا في النهاية لوحة جدارية عن حياة فريدة غزلها المسلمون في بلاد الأندلس بأيد لا تعرف الزيف ولا الكسل00
[ المصادر:http://www.hukam.net/family.php?twn=28
http://www.sfari.com/forums/sfari24/travel58/